جاري التحميل الآن

ڤيتروڤيوس: مهندس عسكري وهدروليكي روماني

ڤيتروڤيوس: مهندس عسكري وهدروليكي روماني

ڤيتروڤيوس هو مهندس عسكري وهيدروليكي من العهد الروماني، عاش في القرن الأول قبل الميلاد، ألف بحثاً في الهندسة المعمارية هو الكتاب الوحيد الذي ظل موجوداً من العصور القديمة بعد اختفاء النصوص الأدبية اليونانية واللاتينية التقنية، هذا يوضح الفجوة الكبيرة بين الأهمية الكبيرة التي أعطيت لمؤلفاته منذ فترة الملك شارلمان وحتى عصر فيوليه لو دوك، وبين المكانة التاريخية الحقيقية المتواضعة له، كان مهندساً ذو خبرة لكنه لم يتخذ دور المعلم أو المهندس الرائد، ولم يتولى مسؤولية وضع القوانين الهندسية، ومع ذلك لا يقلل ذلك من أهمية جمعه للخبرات والمعارف الواسعة التي جمعها قبل ذلك البناؤون اليونانيون.

حياة فيتروفيوس

فيتروفيوس
فيتروفيوس

كتب فيتروفيوس كتاباً بعنوان “في الهندسة المعمارية” (De architectura)، تناول فيه بعض جوانب حياته الشخصية من خلال الحواشي المرفقة، حيث أشار في مقدمة الجزء الأول إلى ارتباطه بالقيصر كفني، دون أن يوضح الوظيفة التي كان يشغلها، وقد كلفه الملك أغسطس مع ثلاثة مختصين آخرين بالقيام بصيانة رحبة الأسلحة، وحسب بعض المؤرخين، فقد تولى أيضًا مسؤوليات في إدارة مياه روما التي نظمها أغريبا عام 33 قبل الميلاد.

بالتالي كان فيتروفيوس يعمل في مجال المنشآت الحربية، مما جعله أقرب إلى المهندس المدني منه إلى المهندس المعماري ولم يكن يملك ثروة ولم يشغل مناصب رفيعة، وكان المشروع الإنشائي المدني الوحيد الذي قام بدراسته وتنفيذه هو دار القضاء في فانو على شاطئ البحر الأدرياتيكي، وهو مبنى روماني مستطيل الشكل يحتوي على جزء ناتئ نصف دائري في أحد طرفيه.

تحدث بإسهاب عن ذلك في الجزء الخامس من كتابه، كما بدا في عمله ناقدًا غير راضٍ عن الممارسات الهندسية في زمانه، معبرًا عن استيائه من الابتكار والتجديد، وكان من مؤيدي الأنماط المعمارية التي تنتمي إلى العصور الماضية، سواء كانت بعيدة أو قريبة، مفضلًا إياها على المعالم المدهشة التي كانت تبنى أمامه في وسط مدينة روما.

اقرأ أيضًا:  سميرة موسى: عالمة الفيزياء النووية وحادث الوفاة الغامض

أعمال فيتروفيوس

لا يستند مؤلفه في مجال الهندسة المعمارية إلى نظرية إنشائية أو جمالية ذات معالم واضحة، وقد كُتب بأسلوب حازم، حيث تسيطر النزعة المعيارية على النزعة الوصفية، أحد الأهداف الرئيسية التي سعى لتحقيقها هو تغطية جميع جوانب النشاط العمراني، وهو ما يتماشى مع التقليد اليوناني الذي يعتمد على امتلاك الإنشائيين معرفة متنوعة.

هذا يوضح سبب تقديمه لمجموعة حقيقية من الأفكار بدلاً من مجرد جمع دراسات تتعلق بمواضيع فردية، ينقسم كتابه إلى قسمين رئيسيين:

  1.  القسم الأول
  • يتكون من الأجزاء السبعة الأولى التي تتعلق بما يمكن اعتباره اليوم الجانب المعماري.
  • حيث خصص الجزء الأول للحديث عن بناء المدن وأسوارها، بينما تناول الجزء الثاني تقنيات البناء ومواده.
  • أبرز الجزأين الثالث والرابع المعابد والنظم المعمارية، في حين خصص الجزء الخامس للمنشآت العامة والمدنية.
  • أما الجزء السادس فقد تناول المنازل والدور، وأما السابع فقد تم تخصيصه للاكساء بالمرمر أو الدهان.
  1.  القسم الثاني
  • يتكون من الأجزاء الثلاثة الأخيرة، حيث أضاف فيتروفيوس جزءاً ثامناً للحديث عن الينابيع والمياه وطرق نقلها.
  • وجزءاً تاسعاً تناول فيه علم الفلك وصناعة الساعات الشمسية.
  • وجزءاً عاشراً وأخيراً خصصه لهندسة الآلات والمضخات والأسلحة المستخدمة في الحصار.

تتميز الأجزاء المخصصة لتقنيات البناء بتضمنها ملاحظات مستمدة من التجربة اليومية للبنائين وربما على نحو أقل من خبرة فيتروفيوس الشخصية، مما ساعد الباحثين على فهم وتفسير المعالم التي شيدت في نهاية عصر الجمهورية وبداية العصر الإمبراطوري.

أما الأجزاء الأخرى من الكتاب فهي تفتقر إلى التناظر بين المباني المعاصرة والنماذج الفنية التي يقترحها فيتروفيوس، مما يدل على منهجية التطورات من منظور النقد العلمي أكثر من كونه مسألة معمارية، وقد بذل جهداً كبيراً في كتابه لإقناع القارئ بأن المعماري الذي يستحق هذا اللقب يجب أن يتمتع بثقافة موسوعية تضاهي مستوى الخطيب أو الفيلسوف، لكنه كان ضحية لتقليد عريق يقوم على الفصل التام بين الفكر النظري والتطبيق العملي.

حيث أهمل المسائل العلمية الأساسية في تعريف المفاهيم الرياضية ونظريات الرؤية لمصلحة تطبيقات محددة جداً لا تتعدى كونها وصفات عملية، لكنه قدم في خطابه معايير دقيقة قدر الإمكان، وقام بوضع تصنيفات استندت إلى آثار معمارية سابقة مدهشة.

اقرأ أيضًا: الحضارة الإسلامية: أبو بكر الرازي الطبيب الفيلسوف والعالم المتعدد التخصصات

يحتوي كتاب فيتروفيوس على قدر كبير من المعلومات المهمة، لكن المشكلة تكمن في أن المعماريين وعلماء الآثار من المدرسة الكلاسيكية الأوروبية الجديدة قد بالغوا في تقدير أهميتها والفائدة منها في فهم معمارية الأبنية الرومانية وترميمها، ومع ذلك لا يقلل هذا من أهمية الكتاب من ناحية الوثائق، خاصة فيما يتعلق بالعمارة المسرحية وتجهيزاتها الصوتية وأساليب توزيعها وفق قانون توزيع الصوت (akustik).

يشهد لفيتروفيوس بشكل خاص جهده المنهجي في إيجاد مصطلحات لاتينية خاصة بالهندسة المعمارية، وهي مهمة ليست سهلة بسبب تعقيد الألفاظ اليونانية، وقد أورد في كتابه 130 مصطلحًا نادرة من حيث الشكل أو المعنى، وأغلبها مستعار من اليونانية مع الحفاظ على خصائصه الصرفية، حيث اكتفى بنقل حروفها اليونانية إلى الحروف اللاتينية، بينما تم نقل بعض المصطلحات الأخرى إلى اللاتينية بإضافة لواحق لجذر الكلمة.

إرسال التعليق

MOST POPULAR DESIGNS